فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الطبري:

وإن كنتم، أيها المتداينون، في سفر بحيث لا تجدون كاتبًا يكتب لكم، ولم يكن لكم إلى اكتتاب كتاب الدين الذي تداينتموه إلى أجل مسمى بينكم الذي أمرتكم باكتتابه والإشهاد عليه سبيلٌ، فارتهنوا بديونكم التي تداينتموها إلى الأجل المسمى رهونًا تقبضونها ممن تداينونه كذلك، ليكون ثقةً لكم بأموالكم. اهـ.

.قال الألوسي:

وفي التعبير بمقبوضة دون تقبضونها إيماء إلى الاكتفاء بقبض الوكيل ولا يتوقف على قبض المرتهن نفسه. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن هذا هو القسم الثالث من البياعات المذكورة في الآية، وهو بيع الأمانة، أعني ما لا يكون فيه كتابة ولا شهود ولا يكون فيه رهن. اهـ.
وقال الفخر:
أمن فلان غيره إذا لم يكن خائفًا منه، قال تعالى: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ على أَخِيهِ} [يوسف: 64] فقوله: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا} أي لم يخف خيانته وجحوده {فَلْيُؤَدّ الذي اؤتمن أمانته} أي فليؤد المديون الذي كان أمينًا ومؤتمنًا في ظن الدائن، فلا يخلف ظنه في أداء أمانته وحقه إليه، يقال: أمنته وائتمنته فهو مأمون ومؤتمن.
ثم قال: {وَلْيَتَّقِ الله رَبَّهُ} أي هذا المديون يجب أن يتقي الله ولا يجحد، لأن الدائن لما عامله المعاملة الحسنة حيث عول على أمانته ولم يطالبه بالوثائق من الكتابة والإشهاد والرهن فينبغي لهذا المديون أن يتقي الله ويعامله بالمعاملة الحسنة في أن لا ينكر ذلك الحق، وفي أن يؤديه إليه عند حلول الأجل، وفي الآية قول آخر، وهو أنه خطاب للمرتهن بأن يؤدي الرهن عند استيفاء المال فإنه أمانة في يده، والوجه هو الأول. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقد أطلق هنا اسم الأمانة على الدَّين في الذمّة وعلى الرهن لتعظيم ذلك الحق لأنّ اسم الأمانات له مهابَة في النفوس، فذلك تحذير من عدم الوفاء به؛ لأنّه لما سمّي أمانة فعدم أدائه ينعكس خِيانة؛ لأنّها ضدّها، وفي الحديث: أدِّ الأمَانَة إلى من ائتَمنك ولا تَخن من خانك. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَمَانَتَهُ} الأمانة مصدر سمى به الشيء الَّذي في الذمة، وأضافها إلى الذي عليه الدين من حيث لها إليه نسبة؛ كما قال تعالى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السفهاء أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5]. اهـ.

.قال الفخر:

من الناس من قال: هذه الآية ناسخة للآيات المتقدمة الدالة على وجوب الكتابة والإشهاد وأخذ الرهن، واعلم أن التزام وقوع النسخ من غير دليل يلجئ إليه خطأ، بل تلك الأوامر محمولة على الإرشاد ورعاية الاحتياط، وهذه الآية محمولة على الرخصة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ليس في آية المداينة نسخ، ثم قال: {وَلاَ تَكْتُمُواْ الشهادة} وفي التأويل وجوه:
الوجه الأول: قال القفال رحمه الله: إنه تعالى لما أباح ترك الكتابة والإشهاد والرهن عند اعتقاد كون المديون أمينًا، ثم كان من الجائز في هذا المديون أن يخلف هذا الظن، وأن يخرج خائنًا جاحدًا للحق، إلا أنه من الجائز أن يكون بعض الناس مطلعًا على أحوالهم، فههنا ندب الله تعالى ذلك الإنسان إلى أن يسعى في إحياء ذلك الحق، وأن يشهد لصاحب الحق بحقه، ومنعه من كتمان تلك الشهادة سواء عرف صاحب الحق تلك الشهادة، أو لم يعرف وشدد فيه بأن جعله آثم القلب لو تركها، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر يدل على صحة هذا التأويل، وهو قوله: «خير الشهود من شهد قبل أن يستشهد».
الوجه الثاني: في تأويل أن يكون المراد من كتمان الشهادة أن ينكر العلم بتلك الواقعة، ونظيره قوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نصارى قُلْ آَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ الله وَمَنْ أَظْلَمُ ممنْ كتمَ شِهَادةً عندَه من الله} [البقرة: 140] والمراد الجحود وإنكار العلم.
الوجه الثالث: في كتمان الشهادة والامتناع من أدائها عند الحاجة إلى إقامتها، وقد تقدم ذلك في قوله: {وَلاَ يَأْبَ الشهداء إِذَا مَا دُعُواْ} [البقرة: 282] وذلك لأنه متى امتنع عن إقامة الشهادة فقد بطل حقه، وكان هو بالامتناع من الشهادة كالمبطل لحقه، وحرمة مال المسلم كحرمة دمه، فهذا بالغ في الوعيد. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقد علمتَ ممّا تقدم عند قوله تعالى: {فاكتبوه} أنّ آية: {فإن أمن بعضكم بعضًا فليود الذي أؤتمن أمانته} تعتبر تكميلًا لطلب الكتابة والإشهادِ طلَبَ ندب واستحباب عند الذين حملوا الأمر في قوله تعالى: {فاكتبوه} على معنى الندب والاستحباب، وهم الجمهور.
ومعنى كونها تكميلًا لذلك الطلب أنّها بيّنت أنّ الكتابة والإشهاد بين المتداينين، مقصود بهما حسن التعامل بينهما، فإن بدَا لهما أن يأخذا بهما فنعمَّا، وإن اكتفيا بما يعلمانه من أمانٍ بينهما فلهما تركهما.
وأتبع هذا البيان بوصاية كلا المتعاملين بأن يؤدّيا الأمانة ويتّقيا الله.
وتقدم أيضًا أنّ الذين قالوا بأنّ الكتابة والإشهاد على الديون كان واجبًا ثم نسخ وجوبه، ادّعوا أنّ ناسخه هو قوله تعالى: {فإن أمن بعضكم بعضًا} الآية، وهو قول الشعبي، وابن جريج، وجابر بن زيد، والربيع بن سليمان، ونسب إلى أبي سعيد الخدري.
ومحمل قولهم وقولِ أبي سعيد إن صحّ ذلك عنه أنّهم عنّوا بالنسخ تخصيص عموم الأحوال والأزمنة.
وتسميةُ مثل ذلك نسخًا تسمية قديمة.
أمّا الذين يرون وجوب الكتابة والإشهاد بالديون حكمَا مُحْكَما، ومنهم الطبري، فقصروا آية: {فإن أمن بعضكم بعضًا} الآية على كونها تكملةً لصورة الرهن في السفر خاصة، كما صرّح به الطبري ولم يأت بكلام واضح في ذلك ولكنّه جمجم الكلام وطَوَاه.
ولَوْ أنّهم قالوا: إنّ هذه الآية تعني حالةَ تعذّر وجود الرهن في حالة السفر، أي فلم يبق إلاّ أن يأمن بعضكم فالتقدير: فإن لم تجدوا رهنًا وأمن بعضكم بعضًا إلى آخره لكان له وجه، ويُفهم منه أنّه إن لم يأمنه لا يداينه، ولكن طُوى هذا ترغيبًا للناس في المواساة والاتِّسام بالأمانة.
وهؤلاء الفرق الثلاثة كلّهم يجعلون هذه الآية مقصورة على بيان حالة ترك التوثّق في الديون.
وأظهر ممّا قالوه عندي: أنّ هذه الآية تشريع مستقلّ يعم جميع الأحوال المتعلّقة بالديون: من إشهاد، ورهنٍ، ووفاءٍ بالدّين، والمتعلّقةِ بالتبايع، ولهذه النكتة أبهم المؤتمنون بكلمة {بعض} ليشمَل الائتمان من كلا الجانبين: الذي من قبل ربّ الدين، والذي من قبل المدين.
فربّ الدين يأتمن المدين إذا لم ير حاجة إلى الإشهاد عليه، ولم يطالبه بإعطاء الرهن في السفر ولا في الحضر.
والمدين يأتمن الدائنَ إذا سَلَّم له رهنًا أغلى ثمنًا بكثير من قيمة الدين المرتهَن فيه، والغالب أنّ الرهان تكون أوْفَرَ قيمة من الديون التي أرهنت لأجلها، فأمر كلّ جانب مؤتمننٍ أن يؤدّي أمانته، فأداءُ المدين أمانته بدفع الدين، دون مطل، ولا جحود، وأداء الدائن أمانته إذا أعطي رهنًا متجاوزَ القيمةِ على الدّين أن يردّ الرهن ولا يجحده غير مكترث بالدّين؛ لأنّ الرهن أوفر منه، ولا ينقص شيئًا من الرهن.
ولفظ الأمانة مستعمل في معنيين: معنى الصفة التي يتَّصف بها الأمين، ومعنى الشيء المؤمَّن.
فيؤخذ من هذا التفسير إبطال غلَق الرهن: وهو أن يصير الشيء المرهون ملكًا لربّ الدّين، إذا لم يدفع الدينَ عند الأجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَغْلق الرهنُ» وقد كان غَلق الرهن من أعمال أهل الجاهلية، قال زهير:
وفارقَتْكَ برَهْنٍ لا فَكَاكَ له ** عند الوَداع فأمسى الرهن قد غَلِقا

ومعنى {أمن بعضكم بعضًا} أن يقول كلا المتعاملين للآخر: لا حاجة لنا بالإشهاد ونحن يأمن بعضنا بعضًا، وذلك كي لا ينتقض المقصد الذي أشرنا إليه فيما مضى من دفع مظنّة اتّهام أحد المتداينين الآخر.
وزيد في التحذير بقوله: {وليتق الله ربه}، وذِكر اسم الجلالة فيه مع إمكان الاستغناء بقوله: {وليتّق ربّه} لإدخال الرّوع في ضمير السامع وتربية المهابة. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلْيَتَّقِ الله رَبَّهُ} في الخيانة وإنكار الحق، وفي الجمع بين عنوان الألوهية وصفة الربوبية من التأكيد والتحذير ما لا يخفى، وقد أمر سبحانه بالتقوى عند الوفاء حسبما أمر بها عند الإقرار تعظيمًا لحقوق العباد وتحذيرًا عما يوجب وقوع الفساد. اهـ.

.قال القرطبي:

وقوله: {وَلاَ تَكْتُمُواْ الشهادة} تفسير لقوله: {وَلاَ يُضَارر} بكسر العين.
نهى الشاهد عن أن يضر بكتمان الشهادة، وهو نهي على الوجوب بعدة قرائن منها الوعيد.
وموضع النهي هو حيث يخاف الشاهد ضياع حق.
وقال ابن عباس: على الشاهد أن يشهد حيثما استشهد، ويخبر حيثما استخبر، قال: ولا تقل أخبر بها عند الأمير بل أخبر بها لعله يرجع ويرعَوِي.
وقرأ أبو عبد الرحمن {ولا يكتموا} بالياء، جعله نهيًا للغائب. اهـ.

.قال ابن عاشور:

اعلم أنّ قوله تعالى: {ولا تكتموا الشهادة} نهي، وأنّ مقتضى النهي إفادة التكرار عند جمهور علماء الأصول: أي تكرارِ الانكفاف عن فعل المنهيّ في أوقات عُروضِ فعله، ولولا إفادته التكرار لَما تحقّقت معصية، وأنّ التكرار الذي يقتضيه النهي تكرار يستغرق الأزمنة التي يعرض فيها داعٍ لِفعل المنهيّ عنه، فلذلك كان حقًّا على من تحمّل شهادة بحقّ ألاّ يكتمه عند عروض إعلانه: بأن يبلغه إلى من ينتفع به، أو يقضِي به، كلّما ظهر الداعي إلى الاستظهار به، أو قبلَ ذلك إذا خشي الشاهد تلاشي ما في علمه: بغيبة أو طُرُوِّ نسيان، أو عروض موت، بحسب ما يتوقّع الشاهد أنّه حافظٌ للحقّ الذي في علمه، على مقدار طاقته واجتهاده.
وإذ قد علمتَ آنفًا أنّ الله أنبأنا بأنّ مراده إقامة الشهادة على وجهها بقوله: {وأقوم للشهادة} [البقرة: 282]، وأنّه حرّض الشاهد على الحضور للإشهاد إذا طُلب بقوله: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} [البقرة: 282] فعُلم من ذلك كلّه الاهتمام بإظهار الشهادة إظهارًا للحق.
ويؤيّد هذا المعنى ويزيده بيانًا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألاَ أخْبِرُكُم بخَيْر الشهداءِ الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألَها» رواه مالك في الموطأ، ورواه عنه مسلم والأربعة. فهذا وجه تفسير الآية تظاهرَ فيه الأثر والنظرُ.
ولكن روى في الصحيح عن أبي هريرة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيرُ أمَّتِي القرنُ الذي بُعِثْتُ فيهم ثم الذين يلونهم قالها ثانية وشكّ أبو هريرة في الثالثة ثم يخلف قوم يشهدون قبل أن يستشهدوا» الحديثَ.
وهو مسوق مساق ذَمِّ مَن وصفهم بأنّهم يشهدون قبل أن يُستشهدوا، وأنّ ذمّهم من أجل تلك الصفة. وقد اختلف العلماء في محمله؛ قال عياض: حمله قوم على ظاهره من ذمّ من يَشهد قبل أن تطلب منه الشهادة، والجمهور على خلافه وأنّ ذلك غير قادح، وحملوا ما في الحديث على ما إذا شهِد كاذبًا، وإلاّ فقد جاء في الصحيح: «خير الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسْألَها».
وأقول: روى مسلم عن عِمران بن حُصَين: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ خيركم قرني ثم الذين يلونهم قالها مرتين أو ثلاثًا ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون» الحديث.
والظاهرّ أنّ ما رواه أبو هريرة وما رواه عِمران بن حصين حديث واحد، سمعه كِلاَهما، واختلفت عبارتهما في حكايته فيكون لفظ عمران بن حصين مبيّنًا لفظ أبي هريرة أنّ معنى قوله: قبل أن يستشهدوا دُونَ أن يستشهدوا، أي دون أن يستشهدهم مُشهد، أي أن يحمِلوا شهادة أي يشهدون بما لا يعلمون، وهو الذي عناه المازري بقوله: وحملوا ما في الحديث أي حديث أبي هريرة على ما إذا شهد كاذبًا. فهذا طريق للجمع بين الروايتين، وهي ترجع إلى حمل المجمل على المبيّن.
وقال النووي: تأوّلَه بعض العلماء بأنّ ذم الشهادة قبل أن يُسألها الشاهد هو في الشهادة بحقوق الناس بخلاف ما فيه حق اللَّه قال النووي: وهذا الجمع هو مذهب أصحابنا وهذه طريقة ترجع إلى إعمال كل من الحديثين في باب، بتأويل كلّ من الحديثين على غير ظاهره؛ لئلا يلغَى أحدهما.
قلت: وبنى عليه الشافعية فرعا بردّ الشهادة التي يؤدّيها الشاهد قبل أن يُسألها، ذكره الغزالي في الوجيز، والذي نقل ابن مرزوق في شرح مُختصر خليل عن الوجيز الحرص على الشهادة بالمبادرة قبلَ الدعوى لا تقبل، وبعد الدعوى وقبل الاستشهاد وجهان فإن لم تقبل فهل يصير مجروحًا وجهان.
فأما المالكية فقد اختلفَ كلامهم.
فالذي ذهب إليه عياض وابن مرزوق أنّ أداء الشاهد شهادته قبل أن يسألها مقبول لحديث: الموطأ «خَيْر الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألها» ونقل الباجي عن مالك: أنّ معنى الحديث أن يكون عند الشاهد شهادة لرجل لا يعلم بها، فيخبره بها، ويؤدّيها له عند الحاكم فإنّ مالكًا ذكره في الموطأ ولم يذيّله بما يقتضي أنّه لا عمل عليه وتبعَ الباجي ابنُ مرزوق في شرحه لمختصر خليل، وادّعى أنَّه لا يعرف في المذهب ما يخالفه والذي ذهب إليه ابن الحاجب، وخليلٌ، وشارحو مختصرَيْهما: أنّ أداء الشهادة قبل أن يطلب من الشاهد أداؤُها مانع من قبولها: قال ابن الحاجب وفي الأداء يُبدأ به دونَ طلب فيما تمحّض من حق الآدمي قادِحة وقال خليل عاطفًا على موانع قبول الشهادة: أوْ رَفَع قبل الطلب في مَحْض حقّ الآدمي.
وكذلك ابن راشد القفصي في كتابه الفائِق في الأحكام والوثائق ونسبه النووي في شرحه على صحيح مسلم لمالك، وحمله على أنّ المستند متّحد وهو إعمال حديث أبي هريرة ولعلّه أخذ نسْبة ذلك لمالك من كلام ابن الحاجب المتقدّم.
وادّعى ابن مرزوق أنّ ابن الحاجب تبع ابن شاس إذ قال: فإن بادر بها من غير طلب لم يقبل وأنّ ابن شاس أخذه من كلام الغزالي قال: والذي تقتضيه نصوص المذهب أنّه إنْ رفعها قبل الطلب لم يقدح ذلك فيها بل إن لم يكن فعله مندوبًا فلا أقلّ من أن لا تُردّ واعتضد بكلام الباجي في شرح حديث: «خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألها». وقد سلكوا في تعليل المسألة مسلكين: مسلك يرجع إلى الجمع بين الحديثين، وهو مسلك الشافعية، ومسلك إعمال قاعدة رَدّ الشهادةِ بتهمة الحرص على العمل بشهادته وأنّه ريبة. اهـ.